Powered By Blogger

الاثنين، 15 ديسمبر 2014


صحيفة الامناء الثلاثاء 2014/12/09م 

 حكاية من حرب 94 .. سيدة من هذا الجنوب    

   تميزت بقوة الشخصية ورجاحة العقل والمواقف الإنسانية 

 أحمد محمود السلامي 




 يكن الجنوبيون كل التقدير والاحترام للسيدة ملكي عبدالله حسن عقيلة الأستاذ علي سالم  البيض ، ولها حضور مؤثر في ذاكرتهم لما قامت به من أعمال وطنية كبيرة منذ  ان تولى السيد البيض قيادة الجنوب وتوصف المرأة بأنها سياسية من الطراز الرفيع لما تتمتع به من قوة الشخصية ورجاحة العقل والمواقف الإنسانية ، وقد لعبت دور وطنياً وحكيماً في لملمة الشمل والتقارب بين قيادات الحزب الاشتراكي اليمني التي تصارعت وخاصة بعد إطلاق  قيادات الطرف من السجون ونجحت في ذلك .
 وصفت أثناء حرب 94 بأنها إحدى أهم الشخصيات التي قدمت أعمال دعم معنوي واسع النطاق للجيش الجنوبي والمتطوعين وخاصة في عدن قبل ان تحل الهزيمة القاسية بالجنوب ، وكانت تشد أزرهم وتتفقد أحوالهم وتوفر لهم يومياً وجبة غداء دسمة هي عبارة عن زربيان عدني  ، فقد جمعت السيدة ملكي عدد من الطباخين المعروفين بطباخة الزربيان في عدن ووفرت لهم المكان اللازم والمواد اللازمة لهذه الطبخة الشهية التي يسيل لها لعاب اي شخص عند سماع "الزربيان" .

وجبة رفعت من المعنويات

نحن في  تلفزيون عدن كنا نضطر الرجوع إلى بيوتنا البعيدة للغداء بسبب عدم توفر اي أكل في المطاعم ، وعند العودة إلى العمل في العصر كنا نواجه مخاطر ومشاكل كبيرة في الطريق من سقوط القذائف والصواريخ وقذائف المضادات الراجعة ناهيك عن نقاط التفتيش وفرق التجنيد الاحتياطي المنتشرة في  كل مكان لا تفرق بين موظف وغير موظف ، ولهذه الأسباب اضطربنا نحن الساكنين في المناطق البعيدة البقاء في المبنى والغداء مع العسكر المرابطين لحراسة التلفزيون , كل يوم الساعة الواحدة ظهراً كانت تصل الينا سيارة عسكرية  مكشوفة (شاص) عليها حلتان كبيرتان من الزربيان يغرف منها في صحنين كبيرين ( توكة) للحراسة وصحن ثالث لنا ، كان زربيان لذيذ جداً رز صيني ولحم عجول مع سكبة بسباس احمر بدون بطاط طبعاً ، وفعلاً هذه الوجبة كانت ترفع معنويات المتواجدين وتضفي على وجوههم البهجة خاصة وهم يعانون كثيراً من مشقة العمل و أوضاع الحرب  .

موقف وفي وانساني

بعد حرب 94م بكم شهر أصيب الضابط الشاب يسلم وهو احد العاملين في استعلامات بيت السيد البيض بعدن وكان قبلها ضابطاً لحراسة التلفزيون قبل ، أصيب يسلم بجلطة دماغية حادة كادت تودي بحياته ، زرتهُ في مستشفى الجمهورية بخور مكسر بمعية بعض الزملاء كانت حالته حرجة للغاية .. قال لنا أخوه والدموع تترقرق في عينيه : " ادعوا له " .

كما عرفت بعدها أنهم اتصلوا بالسيدة ملكي في مقر إقامتها بعُمان وهي تكفلت بكافة مصاريف علاجه في الأردن .. مر أكثر سنه !

وفي يوم من الأيام وجدت يسلم واقفاً في سوق التواهي يبتسم لي .. سلمت عليه بحرارة هو وأخوه الذي حكى لي الموقف الوفي والإنساني لهذه السيدة ، وقال لي أنها دائما تساعد الناس وتدعمهم قدر المستطاع ولا تبخل في السؤال عن أحوالهم حتى وهي بعيدة .

حاضرة بقوة في الوجدان

حكايات  حرب 94 وما سبقها من حروب كانت ومازالت حاضرة بقوة في وجدان الذاكرة خاصة هذه الأيام التي تشهد مخاض عسيراً في جنوبنا الحبيب بعد أن غابت الحكمة وانعدم الضمير ..  ما أحوجنا اليوم للسيدة ملكي وأمثالها من نساءٍ ورجال ذوو المواقف المشرّفة والعقل الراجح والرأي السديد ، ما أحوجنا إليهم لردم الهوة التي بين أبناء الجنوب ووقف التزاحم المحموم على سراب الكراسي والمجد المزيف ، كفانا صراع كفانا جراح كفانا الم .

صحيفة الامناء
 http://www.alomanaa.net/news18521

ـــــــــــــــــ
  صحيفة الامناء الخميس 27 نوفمبر 2014م   

   حكاية من حرب 94: ذكرى.. و راچا .. و سالم   


احمد محمود السلامي



منذ صباح الخميس 4 مايو 1994م وعندما سمعت طائرة شمالية ترمي صاروخاً على مطار عدن الدولي وتهرب، أيقنتُ أنها الحرب ! وأن الواجب الوطني يستدعي التحرك فوراً إلى مقر عملي في تلفزيون عدن (القناة الثانية حينها) وفعلاً تحركت بسيارتي إلى التواهي وباشرنا فوراً وبجهد ذاتي بنقل بعض المكاتب والأدوات المكتبية التلفون والفاكس إلى الطابق الأرضي و رتبناها في غرفة صغيرة محاذية لاستديو 3 لتكون غرفة تحرير الأخبار .. كما حوّلنا استديو 2 إلى غرفة عمليات كنا كمدراء إدارات نتناوب في إدارتها بشكل يومي بالإضافة إلى عملنا المعتاد  .
بالنسبة لي استمر هذا الواضع كل يوم إلى مساء الأربعاء 6 يوليو 94م حيث غادرت التواهي إلى كريتر وكنت أسمع دوي القذائف وأشاهد لهب انفجارها في مواقع مختلفة من المعلا وأنا اتجه  إلى العقبة عدن  كنت أقود سيارتي وقلبي يتمزق ألماً وحسرة بعد أن أيقنت أنها الهزيمة لا محالة ، الكل هربوا تركونا في مهب الريح نؤدي الواجب دون أي توجيه أو خطط أو معلومات عن تطورات الموقف الميداني وكيف التصرف في هذا الظرف .. كان المطلوب منا أن نصنع إعلاماً جماهيرياً فاعلاً من أنفسنا.. كُنا نبذل جهود كبيرة ونحاول تقديم الخدمة الإعلامية المهنية ونختلف كثيراً مع بعضنا البعض على أساليب التنفيذ ونوعية المواد التي نبثها ، وعندما نبدي رأينا في مسائل العمل  كان البعض يشك فينا ويتهمنا بالخيانة والعمالة ، مثلاً عندما كانت بعض التلفزيونات العربية تطلب منا إرسال أخبار (على حسابها) عبر القناة 9 في القمر عربسات عن المعارك أو آثار الدمار الذي تحدثها الصواريخ والقذائف التي تسقط على عدن والقتلى والجرحى كان بعض المسؤولين هنا يرفض بث هذه الأخبار المصورة ويرى أنها انهزامية وكانوا يفضلوا إرسال لقطات قديمة وطويلة من مناورات  للجيش الجنوبي ولم يقتنعوا أن اللقطات الحية للدمار وفظاعة القتل ووحشية القصف كانت ستسهم في تعاطف الرأي العام العربي والعالمي مع شعب الجنوب في محنته.. وكنا نعترض بشدة على أسلوب إجراء المقابلات الميدانية مع ناس أتوا بهم من بيوتهم بأسلحتهم إلى تحت أشجار الحدائق العامة في عدن وكأنهم في جبهة القتال !
ليقولوا أن الوضع مستتب والمعنويات عالية وكل العناصر التي تسللت قضينا عليها  وكانت هذه وسيلة سخيفة لتهدئة الناس الذين يعرفون كل شيء   صباح الأربعاء 6 يوليو 94م  كانت القوات الشمالية الغازية قد دخلت الشيخ عثمان والمنصورة وتستعد بحذر شديد للتقدم نحو خورمكسر ، نحن في التلفزيون لم تتوفر لدينا معلومات مؤكدة عن ذلك الوضع الجديد في ضواحي عدن !
المصيبة أنه عندما كنا نسأل كان يقال لنا نفس الكلام : (لاااا ذي دبابة تسللت وتم التعامل معها) أو (دحرناهم) !! كان مطلوب من تلفزيون عدن أن يبث أخبار وصور وتقارير تكذب تلك الأخبار ! وأن نرسل طاقم إخباري إلى مدينة المنصورة لإجراء لقاءات مع المواطنين حتى في الشوارع القريبة من جولة كالتكس ، نحن في الأخبار رفضنا القيام بتلك المجازفة الخطيرة حتى لا تزهق أرواح زملائنا وتذهب هباء .. لكن للأسف تطوع ثلاثة من المساهمين (الغير موظفين) المذيعة ذكرى , المصور راچا ، السائق سالم  !
تحركوا على متن سيارة التصوير الخارجي (صالون  أسود ) مروا بسلام في كل الطرقات و كان سالم يسوق السيارة بسرعة متأنية حسب نصيحة راچا ، تجاوزوا جسر الطريق البحري ، وعندما  اقتربوا من جول كالتكس فجأة انحرفت  السيارة ، أصيب السائق سالم برصاصة قناصة قاتلة في صدره  ، وبشكل لا إرادي وسريع سيطر راجا على مقود السيارة وأوقفها ، ثم سحب سالم إلى المقعد الأخر وتولى هو قيادة السيارة انعطف بها على طول إلى الخلف ، طلب من ذكرى التي كانت في حالة رعب شديد أن تنزل إلى أرضية السيارة تفادياً لرصاص القناصة المحترفين للقتل بدم بارد ، استطاع راچا تجاوز مرحلة الخطر و أوصل السيارة إلى مستشفى الجمهورية .. لكن الشاب سالم كان قد فارق الحياة سالم التحق بالتلفزيون قبل الحرب بشهرين أو أقل كان شاباً طموحا ومسالماً يقدس ويحب عمله ، كانت أمنيته العظيمة مثل أي شاب هي الوظيفة حتى يتمكن من بناء مستقبله وتكوين أسرة صغيرة مكونة من زوجة وأطفال هم مملكته ، ولكن في ذلك اليوم عادت إلينا بطاقة سالم الجنوبية التي كان يحملها في جيبه معطرة بدمائه الطاهرة الزكية  ولم يعد هو .. قتلَ بتلك الرصاصة اللعينة وذلك الأمر اللا مسؤول الذي أصدره للتلفزيون شخص همجي وهو يغادر عدن هاربا بجلده عبر البحر.
http://www.alomanaa.net/art17431.html
...................

الأحد، 14 ديسمبر 2014


صحيفة الامناء 2014/11/20 م

30 نوفمبر .. نكون أو لا نكون !

احمد محمود السلامي


تهلُ علينا بعد أيام قليلة الذكرى الـ 51 ليوم الجلاء حيث رحل في ذلك اليوم آخر جندي بريطاني من عدن وبعض مناطق الجنوب الحبيب ، تهل علينا وحالنا لا يسر عدو ولا حبيب ! نخرج من أزمة  لندخل إلى أخرى أو كما قال الشاعر ( كلما صفت غيمت ) ونصبّر أنفسنا بأمل مفقود لم يتحقق طوال 51 سنة ، انقشعت وكأنها سحابات صيف لم تمطر سوى الكثير من المحن والجراح ، و الكثير من الإخفاق في التفكير و التدبير السياسي ، سنوات ارتفعت فيها بيارق الصراع على السلطة وسادت فيها روح الإلغاء والتخوين ، تراجع فيها الشرفاء إلى الخلف لأنهم لا يجيدون إلا الصدق والعمل والإخلاص ، وتقدم غيرهم ليمارسوا لعبة صراع الموت عند كل منعطف .. ينتصر فيه أحدهم ويخسر الاثنان معاً .
اليوم وصلنا إلى مفترق طريقين لا ثالث لهما !! إما أن نكون أو لا نكون ! كل أبناء الجنوب مجمعون على كلمة واحدة هي الطريق الأول : أن (نكوووون) ،  نكون أحرار في بلد حر تتحقق لنا فيه الكرامة والعدل والاستقرار الآمن .
قد يتراءى للبعض أن تحقيق هذا المطلب الشعبي أو الحلم ( سمِّه ما شئت ) أصبح سهلاً وأننا قاب قوسين أو أدنى من النصر المؤزر لقضيتنا العادلة من خلال هبة شعبية كبيرة سيتم فيها اقتحام المرافق الحيوية والرسمية في عدن ورفع علم ( ج ي د ش ) وإعلان الاستقلال والبدء في تشكيل الهيئات التنفيذية يصاحب ذلك خطابات ثورجية  رنانة تغزو مساهم الشعب ليل نهار في ظل غياب التأييد والاعتراف الإقليمي والدولي الرسمي المهم لعودة هوية دولة الجنوب إلى الخارطة السياسية الدولية ، هنا تكمن صعوبة وخطورة الموقف ، الفعل الشعبي الذي نراهن عليه هو وحده ! قد لا يكفي ولا يلبي حاجتنا في إحداث فعل سياسي خارجي قوي يسهم في تحريك الاعتراف الإقليمي والدولي بالدولة القادمة .
إذن الموقف معقد وخطير جداً !! وهنا تتجلى قدرة الجنوبيين على تجاوز مفترق الطريقين بإعلاء الحكمة السياسية وإفساح المجال أمام العقلاء ليتولوا مهمة الإمساك بالدفة للخروج الآمن من المأزق ، إذا كان بعض المراهقين سياسياً (ومعظمهم كبار في السن للأسف ) يفكرون  بعملية قيصرية  أو سيناريو همجي تراق فيها دماء الأبرياء  من شباب الجنوب لا تحقق أي مكاسب سوى الحفاظ على ماء الوجه والوجاهة الثورية الانتهازية ، هذه كارثة حقيقية ستزج بنا دون شك في الطريق الأخر ( لا نكون ) .
http://www.alomanaa.net/art17400.html

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ