Powered By Blogger

الاثنين، 15 ديسمبر 2014


صحيفة الامناء الثلاثاء 2014/12/09م 

 حكاية من حرب 94 .. سيدة من هذا الجنوب    

   تميزت بقوة الشخصية ورجاحة العقل والمواقف الإنسانية 

 أحمد محمود السلامي 




 يكن الجنوبيون كل التقدير والاحترام للسيدة ملكي عبدالله حسن عقيلة الأستاذ علي سالم  البيض ، ولها حضور مؤثر في ذاكرتهم لما قامت به من أعمال وطنية كبيرة منذ  ان تولى السيد البيض قيادة الجنوب وتوصف المرأة بأنها سياسية من الطراز الرفيع لما تتمتع به من قوة الشخصية ورجاحة العقل والمواقف الإنسانية ، وقد لعبت دور وطنياً وحكيماً في لملمة الشمل والتقارب بين قيادات الحزب الاشتراكي اليمني التي تصارعت وخاصة بعد إطلاق  قيادات الطرف من السجون ونجحت في ذلك .
 وصفت أثناء حرب 94 بأنها إحدى أهم الشخصيات التي قدمت أعمال دعم معنوي واسع النطاق للجيش الجنوبي والمتطوعين وخاصة في عدن قبل ان تحل الهزيمة القاسية بالجنوب ، وكانت تشد أزرهم وتتفقد أحوالهم وتوفر لهم يومياً وجبة غداء دسمة هي عبارة عن زربيان عدني  ، فقد جمعت السيدة ملكي عدد من الطباخين المعروفين بطباخة الزربيان في عدن ووفرت لهم المكان اللازم والمواد اللازمة لهذه الطبخة الشهية التي يسيل لها لعاب اي شخص عند سماع "الزربيان" .

وجبة رفعت من المعنويات

نحن في  تلفزيون عدن كنا نضطر الرجوع إلى بيوتنا البعيدة للغداء بسبب عدم توفر اي أكل في المطاعم ، وعند العودة إلى العمل في العصر كنا نواجه مخاطر ومشاكل كبيرة في الطريق من سقوط القذائف والصواريخ وقذائف المضادات الراجعة ناهيك عن نقاط التفتيش وفرق التجنيد الاحتياطي المنتشرة في  كل مكان لا تفرق بين موظف وغير موظف ، ولهذه الأسباب اضطربنا نحن الساكنين في المناطق البعيدة البقاء في المبنى والغداء مع العسكر المرابطين لحراسة التلفزيون , كل يوم الساعة الواحدة ظهراً كانت تصل الينا سيارة عسكرية  مكشوفة (شاص) عليها حلتان كبيرتان من الزربيان يغرف منها في صحنين كبيرين ( توكة) للحراسة وصحن ثالث لنا ، كان زربيان لذيذ جداً رز صيني ولحم عجول مع سكبة بسباس احمر بدون بطاط طبعاً ، وفعلاً هذه الوجبة كانت ترفع معنويات المتواجدين وتضفي على وجوههم البهجة خاصة وهم يعانون كثيراً من مشقة العمل و أوضاع الحرب  .

موقف وفي وانساني

بعد حرب 94م بكم شهر أصيب الضابط الشاب يسلم وهو احد العاملين في استعلامات بيت السيد البيض بعدن وكان قبلها ضابطاً لحراسة التلفزيون قبل ، أصيب يسلم بجلطة دماغية حادة كادت تودي بحياته ، زرتهُ في مستشفى الجمهورية بخور مكسر بمعية بعض الزملاء كانت حالته حرجة للغاية .. قال لنا أخوه والدموع تترقرق في عينيه : " ادعوا له " .

كما عرفت بعدها أنهم اتصلوا بالسيدة ملكي في مقر إقامتها بعُمان وهي تكفلت بكافة مصاريف علاجه في الأردن .. مر أكثر سنه !

وفي يوم من الأيام وجدت يسلم واقفاً في سوق التواهي يبتسم لي .. سلمت عليه بحرارة هو وأخوه الذي حكى لي الموقف الوفي والإنساني لهذه السيدة ، وقال لي أنها دائما تساعد الناس وتدعمهم قدر المستطاع ولا تبخل في السؤال عن أحوالهم حتى وهي بعيدة .

حاضرة بقوة في الوجدان

حكايات  حرب 94 وما سبقها من حروب كانت ومازالت حاضرة بقوة في وجدان الذاكرة خاصة هذه الأيام التي تشهد مخاض عسيراً في جنوبنا الحبيب بعد أن غابت الحكمة وانعدم الضمير ..  ما أحوجنا اليوم للسيدة ملكي وأمثالها من نساءٍ ورجال ذوو المواقف المشرّفة والعقل الراجح والرأي السديد ، ما أحوجنا إليهم لردم الهوة التي بين أبناء الجنوب ووقف التزاحم المحموم على سراب الكراسي والمجد المزيف ، كفانا صراع كفانا جراح كفانا الم .

صحيفة الامناء
 http://www.alomanaa.net/news18521

ـــــــــــــــــ
  صحيفة الامناء الخميس 27 نوفمبر 2014م   

   حكاية من حرب 94: ذكرى.. و راچا .. و سالم   


احمد محمود السلامي



منذ صباح الخميس 4 مايو 1994م وعندما سمعت طائرة شمالية ترمي صاروخاً على مطار عدن الدولي وتهرب، أيقنتُ أنها الحرب ! وأن الواجب الوطني يستدعي التحرك فوراً إلى مقر عملي في تلفزيون عدن (القناة الثانية حينها) وفعلاً تحركت بسيارتي إلى التواهي وباشرنا فوراً وبجهد ذاتي بنقل بعض المكاتب والأدوات المكتبية التلفون والفاكس إلى الطابق الأرضي و رتبناها في غرفة صغيرة محاذية لاستديو 3 لتكون غرفة تحرير الأخبار .. كما حوّلنا استديو 2 إلى غرفة عمليات كنا كمدراء إدارات نتناوب في إدارتها بشكل يومي بالإضافة إلى عملنا المعتاد  .
بالنسبة لي استمر هذا الواضع كل يوم إلى مساء الأربعاء 6 يوليو 94م حيث غادرت التواهي إلى كريتر وكنت أسمع دوي القذائف وأشاهد لهب انفجارها في مواقع مختلفة من المعلا وأنا اتجه  إلى العقبة عدن  كنت أقود سيارتي وقلبي يتمزق ألماً وحسرة بعد أن أيقنت أنها الهزيمة لا محالة ، الكل هربوا تركونا في مهب الريح نؤدي الواجب دون أي توجيه أو خطط أو معلومات عن تطورات الموقف الميداني وكيف التصرف في هذا الظرف .. كان المطلوب منا أن نصنع إعلاماً جماهيرياً فاعلاً من أنفسنا.. كُنا نبذل جهود كبيرة ونحاول تقديم الخدمة الإعلامية المهنية ونختلف كثيراً مع بعضنا البعض على أساليب التنفيذ ونوعية المواد التي نبثها ، وعندما نبدي رأينا في مسائل العمل  كان البعض يشك فينا ويتهمنا بالخيانة والعمالة ، مثلاً عندما كانت بعض التلفزيونات العربية تطلب منا إرسال أخبار (على حسابها) عبر القناة 9 في القمر عربسات عن المعارك أو آثار الدمار الذي تحدثها الصواريخ والقذائف التي تسقط على عدن والقتلى والجرحى كان بعض المسؤولين هنا يرفض بث هذه الأخبار المصورة ويرى أنها انهزامية وكانوا يفضلوا إرسال لقطات قديمة وطويلة من مناورات  للجيش الجنوبي ولم يقتنعوا أن اللقطات الحية للدمار وفظاعة القتل ووحشية القصف كانت ستسهم في تعاطف الرأي العام العربي والعالمي مع شعب الجنوب في محنته.. وكنا نعترض بشدة على أسلوب إجراء المقابلات الميدانية مع ناس أتوا بهم من بيوتهم بأسلحتهم إلى تحت أشجار الحدائق العامة في عدن وكأنهم في جبهة القتال !
ليقولوا أن الوضع مستتب والمعنويات عالية وكل العناصر التي تسللت قضينا عليها  وكانت هذه وسيلة سخيفة لتهدئة الناس الذين يعرفون كل شيء   صباح الأربعاء 6 يوليو 94م  كانت القوات الشمالية الغازية قد دخلت الشيخ عثمان والمنصورة وتستعد بحذر شديد للتقدم نحو خورمكسر ، نحن في التلفزيون لم تتوفر لدينا معلومات مؤكدة عن ذلك الوضع الجديد في ضواحي عدن !
المصيبة أنه عندما كنا نسأل كان يقال لنا نفس الكلام : (لاااا ذي دبابة تسللت وتم التعامل معها) أو (دحرناهم) !! كان مطلوب من تلفزيون عدن أن يبث أخبار وصور وتقارير تكذب تلك الأخبار ! وأن نرسل طاقم إخباري إلى مدينة المنصورة لإجراء لقاءات مع المواطنين حتى في الشوارع القريبة من جولة كالتكس ، نحن في الأخبار رفضنا القيام بتلك المجازفة الخطيرة حتى لا تزهق أرواح زملائنا وتذهب هباء .. لكن للأسف تطوع ثلاثة من المساهمين (الغير موظفين) المذيعة ذكرى , المصور راچا ، السائق سالم  !
تحركوا على متن سيارة التصوير الخارجي (صالون  أسود ) مروا بسلام في كل الطرقات و كان سالم يسوق السيارة بسرعة متأنية حسب نصيحة راچا ، تجاوزوا جسر الطريق البحري ، وعندما  اقتربوا من جول كالتكس فجأة انحرفت  السيارة ، أصيب السائق سالم برصاصة قناصة قاتلة في صدره  ، وبشكل لا إرادي وسريع سيطر راجا على مقود السيارة وأوقفها ، ثم سحب سالم إلى المقعد الأخر وتولى هو قيادة السيارة انعطف بها على طول إلى الخلف ، طلب من ذكرى التي كانت في حالة رعب شديد أن تنزل إلى أرضية السيارة تفادياً لرصاص القناصة المحترفين للقتل بدم بارد ، استطاع راچا تجاوز مرحلة الخطر و أوصل السيارة إلى مستشفى الجمهورية .. لكن الشاب سالم كان قد فارق الحياة سالم التحق بالتلفزيون قبل الحرب بشهرين أو أقل كان شاباً طموحا ومسالماً يقدس ويحب عمله ، كانت أمنيته العظيمة مثل أي شاب هي الوظيفة حتى يتمكن من بناء مستقبله وتكوين أسرة صغيرة مكونة من زوجة وأطفال هم مملكته ، ولكن في ذلك اليوم عادت إلينا بطاقة سالم الجنوبية التي كان يحملها في جيبه معطرة بدمائه الطاهرة الزكية  ولم يعد هو .. قتلَ بتلك الرصاصة اللعينة وذلك الأمر اللا مسؤول الذي أصدره للتلفزيون شخص همجي وهو يغادر عدن هاربا بجلده عبر البحر.
http://www.alomanaa.net/art17431.html
...................

الأحد، 14 ديسمبر 2014


صحيفة الامناء 2014/11/20 م

30 نوفمبر .. نكون أو لا نكون !

احمد محمود السلامي


تهلُ علينا بعد أيام قليلة الذكرى الـ 51 ليوم الجلاء حيث رحل في ذلك اليوم آخر جندي بريطاني من عدن وبعض مناطق الجنوب الحبيب ، تهل علينا وحالنا لا يسر عدو ولا حبيب ! نخرج من أزمة  لندخل إلى أخرى أو كما قال الشاعر ( كلما صفت غيمت ) ونصبّر أنفسنا بأمل مفقود لم يتحقق طوال 51 سنة ، انقشعت وكأنها سحابات صيف لم تمطر سوى الكثير من المحن والجراح ، و الكثير من الإخفاق في التفكير و التدبير السياسي ، سنوات ارتفعت فيها بيارق الصراع على السلطة وسادت فيها روح الإلغاء والتخوين ، تراجع فيها الشرفاء إلى الخلف لأنهم لا يجيدون إلا الصدق والعمل والإخلاص ، وتقدم غيرهم ليمارسوا لعبة صراع الموت عند كل منعطف .. ينتصر فيه أحدهم ويخسر الاثنان معاً .
اليوم وصلنا إلى مفترق طريقين لا ثالث لهما !! إما أن نكون أو لا نكون ! كل أبناء الجنوب مجمعون على كلمة واحدة هي الطريق الأول : أن (نكوووون) ،  نكون أحرار في بلد حر تتحقق لنا فيه الكرامة والعدل والاستقرار الآمن .
قد يتراءى للبعض أن تحقيق هذا المطلب الشعبي أو الحلم ( سمِّه ما شئت ) أصبح سهلاً وأننا قاب قوسين أو أدنى من النصر المؤزر لقضيتنا العادلة من خلال هبة شعبية كبيرة سيتم فيها اقتحام المرافق الحيوية والرسمية في عدن ورفع علم ( ج ي د ش ) وإعلان الاستقلال والبدء في تشكيل الهيئات التنفيذية يصاحب ذلك خطابات ثورجية  رنانة تغزو مساهم الشعب ليل نهار في ظل غياب التأييد والاعتراف الإقليمي والدولي الرسمي المهم لعودة هوية دولة الجنوب إلى الخارطة السياسية الدولية ، هنا تكمن صعوبة وخطورة الموقف ، الفعل الشعبي الذي نراهن عليه هو وحده ! قد لا يكفي ولا يلبي حاجتنا في إحداث فعل سياسي خارجي قوي يسهم في تحريك الاعتراف الإقليمي والدولي بالدولة القادمة .
إذن الموقف معقد وخطير جداً !! وهنا تتجلى قدرة الجنوبيين على تجاوز مفترق الطريقين بإعلاء الحكمة السياسية وإفساح المجال أمام العقلاء ليتولوا مهمة الإمساك بالدفة للخروج الآمن من المأزق ، إذا كان بعض المراهقين سياسياً (ومعظمهم كبار في السن للأسف ) يفكرون  بعملية قيصرية  أو سيناريو همجي تراق فيها دماء الأبرياء  من شباب الجنوب لا تحقق أي مكاسب سوى الحفاظ على ماء الوجه والوجاهة الثورية الانتهازية ، هذه كارثة حقيقية ستزج بنا دون شك في الطريق الأخر ( لا نكون ) .
http://www.alomanaa.net/art17400.html

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السبت، 8 نوفمبر 2014

صحيفة الأمناء الصادرة الخميس 6نوفمبر 2014م

                   ماذا بعد الزخم الجنوبي ؟!!
أحمد محمود السلّامي
  

لا يختلف التعريفان العلمي و اللُغوي حول معنى كلمة (الزخم) فكلاهما يُعرفها بأنها تتعلق بالحركة والدفع ، لكن التعريف العلمي هو الأدق لهذه الكلمة حيث يقول بأنها حاصل ضرب كتلة الجسم في سرعته ! والزخم لا ينتج إلا بوجود أجسام وسرعة لها قياساتها الخاصة في شتى العمليات الفيزيائية التي تحتاج إلى كميات من الحراك في الدفع والخفض .. ايضاً حركة الناس وسرعتها يطلق عليها زخم مع صفات متعددة ، ثوري ، شعبي ، شبابي ...الخ ما يعتمل الآن في ساحة الاعتصام بخور مكسر بعدن هو زخم كبير يجسد التجاوب الشعبي ، ويعد تطورا منهجياً في مسار الحراك الجنوبي السلمي ، من حيث تجاوز حدود الرفض السياسي إلى الفعل الشعبي والإصرار على استعادة الوطن المسلوب والمُلحق . لكن هذا الزخم الجنوبي الغير مسبوق إلى أين يتجه ؟! هل لديه إستراتيجية فاعلة ستتكلل بالنجاح في نهاية المطاف ؟ أم انه يتأهب وبالاعتماد على فرضية الانهيار الكلي القادم للنظام في صنعاء من ثم يستعيد دولة 21مايو 194م التي عاشت شهر ونصف ؟ هذا رهان قد لا يجاهر به البعض ويخفيه ولكنه موجود وبقوة وهو الأبرز من بين كل الرهانات والحسابات والتي أتمنى أن لا تكون خاسرة .. عام 2011م عندما كان نظام علي عبدالله صالح قاب قوسين أو أدنى من السقوط ، اعتبر الكثير من الجنوبيين أن الوقت قد حان وان الفرصة مواتية لاستعادة الدولة وسرّعوا من وتيرة نضالهم السلمي لتحقيق الهدف ولم يعملوا حساب لمن اندس بينهم في الساحات من عسس النظام والجماعات المتطرفة والعناصر المأجورة الذين ارتكبوا الكثير من الأعمال الفوضوية التي أضرت بسمعة الجنوبيين ونضالهم السلمي ، واكب ذلك تعافي جزئي للنظام و انتقال السلطة إلى أيدي آمنة كما قالوا ، ولا ندري إلى الآن من هي آمنة !! اليوم يتكرر نفس المشهد مع بأسلوب أخر ، يُتعقد أن آمنة وصلت إلى طريق مسدود وان السلطة ستسقط من بين يديها و تتشظى وهذا يمكننا من استعادة حقنا .. هذا يعني إننا لا نمتلك رؤية إستراتيجية واضحة لاستمرارية الفعل الشعبي وتصعيده بأساليب سلمية خلاقة ومبدعة .. اعتقدُ ان هذا شيئاً طبيعياً في ظل تشتت الرُؤًى وتعدد المكونات وتقاطع المصالح ، كل يوم نسمع عن ظهور مكونات وهيئات ولجان بمسميات وصفات لا تعد ولا تحصى ويتم تجريبها وتذوب في إرهاصات الفعل اليومي وتأتي غيرها وهكذا .. المطلوب الآن وقبل كل شئ أن نصمد وان لا ننتظر مؤشر بوصلة صنعاء أو مساندة الأشقاء العرب الخجولة التي تحركها مصالحهم ، بل علينا مواصلة الاعتصام والثبات في الساحات والتيقظ من المبهم والمؤامرات والدسائس وحملة المشاريع الانتهازية الضيقة ، علينا تنظيم أنفسنا
ورص صفوفنا وخدمة قضيتنا كلٍ في تخصصه .. لو استطاع هذا الزخم الشعبي الكبير والرائع أن ينتج بل يصنع تلاحم قيقي لكل المكونات والأطياف الجنوبية نكون قد حققنا القوة الذاتية وسيصبح نصرنا مؤزراً ووشيكاً ولن تقرر مصيرنا بوصلة الأيدي الآمنة .. أو غير الآمنة .
رابط المقال : http://www.alomanaa.net/art17346.html
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاثنين، 3 نوفمبر 2014

صحيفة الامناء الاربعاء 29 اكتوبر 2014م

                            مهنة المصائب             

أحمد محمود السلّامي




تشكل الأحداث بمختلف أنواعها مادة خامة لعمل الصحفي باعتبار إن الخبر هو المادة الأساسية في الفنون الصحفية المطبوعة ، وعندما تكون هناك أحداث كبيرة أو توتر في منطقة ما ينشط الصحفي ويصنع الأخبار والتقارير ويحلل ويتكهن وووو الخ مع علمه أن هذه الأحداث فيها الكثير من المصائب لأشخاص أو مجاميع كبيرة من الناس ، وفي سبيل نقل الأخبار والحقائق يمكن للصحفي أن يلقى حتفه وتحلُ على أهله وذويه المصيبة ويصبح هو خبر تتناقله وسائل صحفية كثيرة ، وعندما تنتهي السخونة والتوتر ويحل السلام يصاب الكثير من الصحفيين بحالة من الركود والكساد الصحفي لعدم توفر المواد الأساسية لتحرير الأخبار المثيرة كما هو حال معظم الصحُف ووسائل الإعلام .. اليوم بعدما تغير المشهد السياسي العام برمته وانزاحت عنه أقطاب كبيرة كان لها تأثير كبير في اللعبة السياسية لما لها من نفوذ عسكري وديني وقبلي وكان نشاطها وتحركاتها محمومة تشكل مادة دسمة للصحفيين لتناولها بكل سهولة ويسر ! وعندما سقطت صنعاء ومناطق أخرى سريعاً بيد الحوثيين وقف الجميع مذهولاً لا يدري ماذا يكتب أو من اين ينقل الأخبار! كل مصادر تسريب المعلومات القديمة والتقليدية اختفت وتوارت خلف الأبواب المغلقة ، حتى الإعلام الرسمي ظل مشدوهاً ومسمرا في مكانه حتى صمتت معظم وسائله لعدة أيام . معظم الصحف لازالت إلى الآن غير قادرة على التعاطي مع هذا التغيير الدراماتيكي الجديد والمفاجئ للأحداث فهي عوّدت نفسها على نشر الأخبار والعناوين المثيرة ولم ترسم لها سياسة مهنية حكيمة تجنبها التأثيرات السلبية للسياسة المحلية التي لا تعرف لها بوصلة . عدد قليل من الصحف شكلوا القدوة الحسنة مهنياً في عالم الصحافة المحلية ، وهذا يعني أن عدد من الصحف ستترك بلاط السلطة الرابعة في حالة حدوث تغييرات مجتمعية وسياسية جذرية وعميقة تحتاج إلى قدرات مهنية كبيرة لمواكبتها. صحف القدوة الحسنة لها إدارات كفوءة ترسم لها سياسات راقية ومحترفة وتدير عملها الصحفي باقتدار ولا تكتفي بنشر الأخبار فقط وإنما تجتهد في نقل الكثير من مشاكل ومعاناة الناس في عدن ومناطق الجنوب عبر التحقيقات الصحفية الميدانية لغرض توصيل رسائل إلى المجتمع الدولي .. وفي ظل وجود القدوة الحسنة يوجد ايضاً من يسمون أنفسهم صحفيين أو إعلاميين ( ؟ ) وهم المنافقون الوصوليون الذين يلهثون وراء المال والمناصب والشهرة عبر وسائل غير مشروعة يرون فيها اقرب الطرق إلى تحقيق طموحاتهم الانتهازية !! ، تراهم اليوم في الساحات مع المناضلين الحقيقيين وغداً ينتقلون إلى أبواب الوزراء والمسئولين لهثاً وراء المناصب التي لا يستحقونها ولا تنطبق عليهم شروطها . في عالم الصحافة والإعلام الطموح المهني لا حدود له وإمكانية تحقيق ذلك الطموح تحتاج إلى عوامل عدة منها الموهبة والقدرة على الإبداع والثقافة الواسعة بالإضافة إلى حب المهنة والإخلاص لها .
ــــــــــ

السبت، 25 أكتوبر 2014

                                                      صحيفة الامناء الخميس 23 اكتوبر 2014م                                                      

        الحُرة نعمة وأحرار الجنوب !       

   أحمد محمود السلامي   

الحرة نعمة شخصية حقيقية عاشت إلى سبعينيات القرن الماضي في إحدى قرى الجنوب العربي وكانت امرأة بسيطة وفقيرة عزيزة النفس لم تمد يدها لأي شخص حتى إذا جاعت .. لم تتزوج وقضت سنوات طويلة من عمرها وماتت وهي تبحث عن العدل والإنصاف في قضية أرض متنازع عليها مع أقربائها في محكمة المدينة التي تبعد عن القرية خمسة كيلومترات ونيف تقطعها مشياً على الأقدام وهي تحدثُ نفسها بصوت مسموع عن ما سوف تقوله في المحكمة ، وفي طريق العودة تتحدث وتثرثر عن ما حصل في المحكمة ، وكانت لا تصمت حتى دقيقة واحدة ، مشكلتها كانت تكمن في عدم قدرتها على استيعاب واقعها بشكل جيد  والتعاطي معه ولا تستمع إلى الآراء والنصائح التي تسدى إليها من عقلاء القرية ، وتبرر ذلك  بأنها صاحبة حق ولا شيء غير الحق ، حتى تقدير المسافات والزمن كانت لا تأبه به !! فمثلاً كانت عندما تشعر بالعطش ويجف فمها وهي في طريقها إلى المدينة وقد قطعت ثلثي المسافة تعود إلى بيتها في القرية لتشرب الماء وتأخذ نَفَسْ ثم تبدأ مشوارها إلى المدينة من جديد !! ما دعاني إلى استذكار هذه القصة اليوم هو حال أحرار الجنوب  أصحاب القضية العادلة الذين بحت أصواتهم وهم يطالبون المجتمع الدولي والعالم كله بمساعدتهم في استعادة وطنهم المسلوب لأنهم أصحاب حق ولا شيء غير الحق .. هناك مشاريع عدة تُطرح على الساحة تتعلق بمرحلة ما بعد  استعادة الوطن ، أخطر هذه المشاريع  هي التي تنادي بالعودة إلى دولة ما قبل مايو 90م أو ما بعد نوفمبر 67م  مثل الحرة نعمة التي تعود من نصف الطريق إلى نقطة الصفر لغرض شرب الماء وأخذ نَفَسْ !! وهكذا كانت تفعل الحرة نعمة في مسيرتها الطويلة التي انتهت بموتها ولم تتحقق أهدافها وكأن شيئاً لم يكن. الرجوع إلى الخلف والانطلاق إلى الأمام أسلوب تكتيكي تقليدي لا ينفع استخدامه في وقتنا الحاضر وفي ظل حدوث متغيرات كبيرة ورهيبة في كل المجالات ، فلماذا نعود إلى الخلف أو إلى نقطة الصفر ؟!! لماذا لا نبدأ من حيث انتهينا ؟!! نستفيد من التطورات و الأحداث  العالمية التي تمر بسرعة وتتغير فيها الموازين والحسابات في ليلة وضحاها  ، ونحن للأسف  نتغنى بالعودة إلى الماضي تحت حجة استعادة الدولة عبر ما يسمى بالفترة الانتقالية وتسليم السلطة للشباب باستخدام سيناريو يستغل عواطف الأحرار البسطاء من أبناء الجنوب الذين طحنتهم الصراعات والحروب ، بالتأكيد هذه مجرد كذبة مفضوحة يُراد بها  ذر الرماد في العيون ! الهدف منها هو تقديم المشاريع الشخصية و المناطقية الضيقة على مصلحة الوطن .  اعلموا أيها الجنوبيون الأحرار أن  كُلفة العودة إلى أشكال الحكم المنقرضة  والتي عفى عليها الزمن ستكون هي الأعلى مقارنة مع كُلف المراحل السابقة .  إننا بحاجة اليوم إلى دولة جديدة تبنى على أسس اقتصادية وسياسية صحيحة تحقق التنمية والعدالة الاجتماعية و تكفل للمواطن حقه في العيش الكريم والآمن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
http://www.alomanaa.net/news/16964/



الجمعة، 17 أكتوبر 2014

صحيفة الامناء الخميس 16 اكتوبر 2014م 
 نريد جنوباً من طرازٍ جديد ! 

احمد محمود السلامي



نبارك لكل أبناء الجنوب هذا النضال السلمي الراقي .. هذه السيول البشرية التي تجتمع على كلمة واحدة هي (الوطن) لا يوجد أسمى وأنبل من هذا الاتحاد البشري الذي يفتح أمام كل أبناء الجنوب أبواب الأمل والتطلع إلى المستقبل المشرق وهو بناء الدولة الجنوبية الجديدة على أسس حديثة وفق متغيرات العصر وسماته الراهنة .. دولة لا تشبه الطراز الأول ولا الثاني ولا الثالث ، دولة تختزل مسيرة 47 سنة بكل ما فيها من أحداث ومراحل عجاف أرهقت كاهل المواطن وقوّست ظهره وفي الأخير سلبته أغلى ما يملك (وطنه) ، دولة الجنوب الجديدة يجب ألا تُستنسخ من سابقاتها لا بشكلها ولا بمضمونها ولا بشخوصها .. تلك التجارب مكانها الحقيقي متحف الماضي متحف التاريخ والعبر  ! خلاص  سئمنا استنساخ وتجارب فاشلة أوصلتنا إلى كف الشيطان على طبق من ذهب .. اليوم الملايين من أبناء الجنوب لن ولن يقبلوا أن يكونوا فئران تجارب مرة أخرى مهما كان الأمر أو قطعان تتحكم فيها نزوات وشهوات السياسيين الانتهازيين !
إنهم الان أحرار ولن يقبلوا أن يكونوا تابعين لأحد مرة أخرى لا لحزب أو لأشخاص أو لدولة خارجية ولا لفكر متخلف  .. المتخمون بالفساد الذين تمتلأ خزائنهم بخيرات وطننا وأموال شعبه المقهور ، يتوهمون أن الجنوبيين سيفشلون في تحقيق هدفهم ! ويعزون ذلك إلى عدم وحدة صفهم الداخلي !! هذا ما يتمناه هؤلاء ويراهنوا عليه صباحاً ومساءً وبات هذا الوهم هو عزاءهم الوحيد وأمنيتهم الأخيرة قبل أن يخسؤوا والى الأبد .
شعب الجنوب الان يضرب أمثال رائعة في الصمود والتلاحم ستشكل هي التاريخ الحقيقي لنضاله وتضحيته وتتعاظم وحدته كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة ، أثبتت مليونية 14 أكتوبر ذلك دون شك أو ريب ، غيرت مفهوم المليونيات من حشود يراد منها توصيل رسائل دولية إلى حشود للفعل الحقيقي ، انظمت إليها دماء جديدة كانت صامتة  لأنها طحنت من زمان ، هي الفئة الصامتة التي تنفضُ الان عن نفسها غبار الظلم والتهميش والتعسف .
حتماً ستتحطم كل المراهنات وستتغير كل موازين  الوضع سريعاً وستنتصر ثورة شعب الجنوب العربي الأبي ويتحقق حلمه، وحينها سيأتي دور القيادات الكفؤة والقدرات الإدارية والعلمية لتنفيذ مهام بناء الدولة والتأسيس لنظام حكم ديمقراطي جديد يحقق التنمية والعدالة والعيش الحر .. بعيداً عن التقاسم أو الشعور لدى البعض الأحقية في قطف ثمار الثورة بشكل مبكر كما حصل لثورات الربيع العربي التي فشلت كلها و(كأنك يا بو زيد ما غزيت) ، لابد أن يقدم ربيع الجنوب أنموذجاً رائعاً تحتذي به شعوب المنطقة التي تنشد الحرية والاستقلال و الانعتاق من الظلم والاستبداد .

الرابط :

http://www.alomanaa.net/news/16800/


الأربعاء، 1 أكتوبر 2014


صحيفة الأمناء الثلاثاء 30 سبتمبر 2014 م

    تكــلم لكي أراك !!    

احمد محمود السلّامي


الكلام مهم وله قيمة حقيقية في حياة البشر فهو وسيلة مثلى للاتصال والتواصل بينهم وكذا وسيلة للتعريف بالذات وتكوين صورة تحليلية أولية عن شخصية المتكلم ، ولا يمكن أن نتعرف على فكر أو أراء الأشخاص إلا إذا تحدثوا  وعبروا عن تلك الأفكار الشخصية الهامة أو التافهة أو المشاكسة تكــلم لكي أراك عبارة لها معنى فلسفي عميق ، لا تزال تُستخدم إلى يومنا هذا منذ أن قالها الفيلسوف اليوناني سقراط لأحد تلاميذه قبل الميلاد بــ 400 سنة ويقصد  سقراط  هنا ! أنه  لا يرى الناس كما يبدون من مظاهرهم !! ولو وصل الناس لهذا العمق من التفكير لاختاروا الصمت عن النطق والكتابة، دائما ما نتمنى في أنفسنا لو أن فلاناً من الناس بقي صامتاً ونرى أن هذا أفضل له ولنا !! أحياناً الكلام قد يرفع صاحبه إلى أعلى المستويات وقد يعصف به إلى سابع أرض وهذا يعتمد على ذكاء الشخص المتكلم ولحن حديثه واختيار الأفكار  المركزة التي تصلح لهذا المقام أو ذاك ، كما أن للتوقيت دوراً مهماً في توفير مناخ التأثير القوي للكلام  أو  الضعيف  لكن الأمر المحير هو إصرار بعض المتكلمين  على الاستمرار والمضي في التكلم والتحدث بصوت عالٍ لا تستطع أن تفهم منهم فكرة محددة جلية وواضحة ! ومن المؤسف حقاً توظيف الكثير من أولئك المتكلمين والخطباء لخدمة السياسة والصراع على السلطة مستخدمين الكثير من المفاهيم والأطروحات السياسية والدينية  في إطار فرق وجماعات متعددة منذ عصر الدولة الأموية الذي أصبحت فيه أكثر بلاغة وحتى الآن ، وهم يتفاوتون في المقاصد والأهداف فمنهم من لديه قضية عادلة أو مساهمة إنسانية واجبة ومنهم من يستعرض فصاحته وقدراته الكلامية ويزهو  بها مثل  طاووس منتفخ الأوداج يزهو بألوان ريشه الجميلة  ، وآخرٌ يصمُ الآذان بكلامه  من أجل الكسب المادي أو من أجل الجاه والسلطة. اليوم يحاصرنا الكلام ( الخطابة ) في كل مكان و يغزو منازلنا وعقولنا وينتهك خلوتنا وخصوصياتنا ويتسلل إلى هواتفنا دون إذن مسبق !! فقد تحولت الخطابة من قوة تتكلف بالإقناع الممكن كما عرفها الفيلسوف الإسلامي ابن رشد ، إلى وسيلة تتكلف بتثبيت المثل الشعبي القائل : ( التكرار يعلم الحمار ) ، تخيلوا لو أن صاحب المقولة ( سقراط ) عائش إلى الآن ! هل سيدافع عن مقولته الشهيرة؟ أنا أتصور أنه سيتخلى عنها  وأنه سيغيرها إلى : لا تتكــلم كي لا أراك ! .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرابط

السبت، 13 سبتمبر 2014

  صحيفة الامناء الخميس 11 سبتمبر 2014م  

 *  تلفزيون عدن  في ذكراه الخمسين    

أحمد محمود السلّامي



    أول الصور التجريبية كانت لحركة البواخر في ميناء عدن
يوم الجمعة 11 سبتمبر 1964م كانت عدن على موعد مع الحدث الإعلامي والثقافي والاجتماعي الكبير  وهو بدء الإرسال التلفزيوني وسط  اندهاش وإعجاب أبناء عدن بهذا الاختراع العجيب الذي لم يروا مثله من قبل ، كانت المحطة التلفزيونية الصغيرة تبث إرسالها من دار حسن علي الذي تم استئجاره وترميمه وتجهيزه خصيصاً لهذا الغرض على جبل صغير بالقرب برج الساعة  بالتواهي فوق الميناء مباشرة وكان الفنيون يوجهون الكاميرات التلفزيونية الضخمة إلى الميناء لالتقاط  حركة دخول وخروج البواخر واللنشات في منظر حي ورائع بالأبيض والأسود . ولم تمضي أسابيع حتى اعتلت أسطح المنازل والعمارات الهوائيات الخاصة باستقبال البث التلفزيوني من كل حجم ونوع ، بعد أن سارع  المواطنون إلى شراء أجهزة التلفزيون وهذا يدل على وعيهم وثقافتهم المدنية التي غيرت من خطة مسؤولي التلفزيون بإعطاء مساحة اكبر للبث باللغة العربية وإلغاء بعض البرامج التي كانت تبث بالانجليزية . بدأت المحطة باستخدام جهازي بث 100 وات ركبت في قناتي 9 و 10 التي كانت تغطي عدن  وأجزاء من لحج وابين .
خمس وحدات صغيرة أُسست تلفزيون عدن
قبل بدء البث وفي فترة الإعداد الفني كان العمل يبدأ الساعة الثامنة صباحاً وينتهي في الحادية عشر مساءً بإشراف خبراء بريطانيون وقد تم تقسيم العاملين إلى خمس وحدات صغيرة على النحو التالي ـ 1ـ وحدة الإخراج وتكونت من :  محمد عمر بلجون ، علي الزريقي ، ابوبكر العطاس ، عبد الرحمن باجنيد . 2ـ وحدة إنتاج الأفلام وتكونت من رئيس الوحدة علوي السقاف واشرف جرجرة ومصورين هما علوي علي اليافعي ومحسن باعمر .  3ــ وحدة التصوير تكونت من رياض عنتر  و عيدروس عبد الرحيم وعبد العزيز خان وأنيس عبدالله حسن . 4ــ وحدة الرقابة الرئيسية وتكونت من اثنين هما سالم بامدهف و حمدي صالح . 5 ــ وحدة تركيب وتشغيل الاجهزة تكونت من : حامد محمد احمد ، محمد يعقوب ، ياسين مصوعي ، احمد نبيه ، محمد عبدالله الشعيبي ، طه فارع .
مذيعين ومخرجين ومصورين وفنانين في وقت واحد
المذيعين الأوائل لتلفزيون عدن كانوا بالإضافة إلى ظهورهم في الشاشة لقراءة الأخبار أو تقديم البرامج كانوا يؤدون أكثر من مهمة في التصوير والإخراج وإنتاج الأفلام السينمائية (16 مم) لتغطية الفعاليات المحلية . وهم : حسين الصافي ، محمد عمر بلجون ، علوي السقاف ، ابوبكر العطاس ، عبد الرحمن باجنيد  . ومن الإذاعة عبد الحميد سلام و عديلة بيومي التي كانت تقدم برنامج " دنيا الاطفال"  و فوزية غانم التي كانت تقدم برنامج " دنيا المرأة " التي لم تسمح لها ظروف عملها في الإذاعة بالظهور كثيراً في التلفزيون فتولت البرنامج المذيعة والقاصة فوزية عمر . كانت كل البرامج تقدم على الهواء مباشرة لعدم وجود جهاز الفيديو الخاص بالتسجيل نتيجة شحة الإمكانيات المادية . ومن أشهر برامج السهرة في تلك الفترة كان برنامج (جنة الألحان ) وكان يقدم مساء كل خميس من الساعة 9 الى الحادية عشر ، وهو برنامج فني تحييه فرقة التلفزيون التي اشرف عليها الفنانان احمد قاسم والأمير محسن بن احمد مهدي ، وكان يقودها عازف الكمان علي فقيه  وتضم في عضويتها العازفين : نديم عوض ، صلاح  ناصر كرد ، سعودي  احمد صالح  ، عمر غابة ، حسين فقيه ، وعازف الإيقاع فضل ميزر ، محمد عوض المسلمي عازف الدف ، والفنانين: عبد الكريم توفيق ،ابوبكر سكاريب ، اسمهان عبدالعزيز ، رجاء باسودان ، صباح منصر ، نادية عبدالله ، وآخرين .
 تفاعل المشاهدين مع الأفلام والمسلسلات
في سنواته الأولى كان تلفزيون عدن يعرض الأفلام العربية (المصرية) مثل أفلام عبدالوهاب وفريد الأطرش وفريد شوقي والأفلام الأجنبية والمسلسلات الأجنبية منها مسلسل القديس ((the saint ، و مسلسل الكاوبوي الأمريكي (Bonanza) ومسلسل العبطاء الثلاثة ((The Three Stooges ومسلسل الهارب (The Fogitive) الذي استغرق عرضه أربع سنوات وكان  عبد الرحمن باجنيد يقوم بترجمته مباشرة على الهواء بأسلوب مبسط مزج بين الفصحى والعامية، وهي توليفة مرغوبة لدى المشاهدين . وقد تفاعل الناس في عدن مع تلك الأفلام والمسلسلات وكانوا يقلدون أبطالها في حركاتهم وتصرفاتهم ويطلقون على بعضهم البعض أسماء شخصيات الفيلم او المسلسل ، فهذا أطلقوا اسم عنتر وذاك لبس قبعة البحارة مثل جاليجان وعلق به هذا الاسم ، حتى ان الابن الصغير لحسين الصافي (مراقب عام الإذاعة والتلفزيون) بونانزا ولبس لباس رعاة البقر . وبالإضافة إلى هذا كان التلفزيون يعرض حلقات من المصارعة والمباريات الأجنبية القديمة .
كاميرات وأجهزة أخرى ضاعت في صندوق وضاح
عند افتتاح تلفزيون في سبتمبر 1964م زود بكاميرات استديو من نوع Pye وهي ضخمة وثقيلة وباهظة الثمن مقارنة مع كاميرات ومعدات اليوم .. وكان يتعين على الفنيين بالقيام عملية الإحماء لأنبوب الكاميرا الضخم الخاص بالصورة الذي يكون في درجة حرارة التشغيل وتظل مستقرة لبقية الوقت لضمان عدم وجود التشويه الهندسي وأن تكون الإعدادات المثلى متطابقة مع بعضها البعض في جميع كاميرات أستوديو . كان بالضرورة الاحتفاظ بتلك المعدات في متحف حتى يستطيع الجيل الجديد الوقوف عليها وتقييم تجربتها. ولكن تم إهمالها  ووضعت مع أجهزة أخرى داخل حاوية حديدية تم إخراجها عام 1995م إلى جهة غير معروفة !
تجاهل رسمي واضح
وكعادتها تجاهلت وزارة الإعلام والمؤسسة اليمنية للإذاعة والتلفزيون  هذه المناسبة وكأن شئ لا يهمها !! حتى قيادة القناة الحالية المتمثلة بالأخ فارس عبدالعزيز القائم بأعمال رئيس قطاع قناة عدن الفضائية (المهندس محمد غانم الذي سافر في رحلة علاجية ) لم تكلف نفسها حتى بإقامة لقاء تبادل خبرات بين الأجيال المتعاقبة على العمل في التلفزيون وهذا لا يكلف اي مال ، لو كُلفت مجموعة من الشباب بإقامة احتفالية بهذه المناسبة الغالية على قلوبنا لكانوا أقاموها على أفضل ما يرام .. مع كل هذا نحن سنحتفل بقلوبنا ومعنا كل أبناء عدن ولحج وأبين وكل المدن الجنوبية الحبيبة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

بعض الأسماء والأرقام مأخوذة من :
* ذكريات تلفزيونية / محمد عمر بلجون (أول مدير لتلفزيون عدن) التلفزيون الوليد نشرة خاصة 1965م
* كتاب زوايا من تاريخ ولاية عدن
* محمد عمر بلجون..مبدع في الإعلام المرئي والمسموع .. عدن المنارة .

ـــــــــــــــــــــــــ

السبت، 6 سبتمبر 2014

صحيفة الامناء الخميس 4 سبتمبر 2014م 

      جيش الجنوب كان صرحاً فهوى     

أحمد محمود السلّامي



    الجيش الجنوبي أو جيش (ج ي د ش) كان صرحاً عسكرياً قوياً وكبيراً وتحطم ! تقاذفت به أمواج الصراعات الداخلية والخارجية والأهواء النرجسية للقادة السياسيين الذين غرروا بالكثير من ضباطه وأفراده .. كانت الضربة الموجعة التي وجهت إليه أول مرة عندما قسّمه السياسيون في 1986م إلى قسمين معَ وضدْ واقتتلا الطرفان وفي رأيي لم ينتصر احد ! لأن الوطن خسر جيشه  !! أما الضربة التي أطاحت به كانت عندما اندمج مع جيش (ج ع ي) وشتان ما بينهما ، وبعد حرب 1994م لفظ أنفاسه الأخيرة ، واستبيحت معسكراته ونهبت خزائنه وشردوا أفراده وضابطه  فهوى وأصبح ذكرى .
جيش الجنوب لم يبنى في ليلةٍ وضحاها ! حتى وإن كانت ذكراه تشير إلى عام 1971م وهو العام الذي حُدثَ فيه إلا أن البدايات والتكوين الحقيقي بمراحله المختلفة كان قبل هذا التاريخ ، ففي عام 1915م وبعد معارك دامية احتل الجيش التركي سلطنة لحج إلى منطقة الرابط وكانت مستعمرة عدن تشعر بتهديد حقيقي من الجيش التركي لهذا عمدت إلى تشكيل فرقة قبلية غير نظامية لمناوشة الأتراك وجمع المعلومات العسكرية عن قواتهم ، وقد نجحت الفرقة في مهمتها حيث تم استيعابها ضمن الجيش النظامي تحت مسمى الكتيبة  العربية الأولى مشاة ، وكانت تتمركز في الشيخ عثمان في معسكر ليك لاين نسبة مؤسسها الرائد إ م .سي . ليك (معسكر عبد القوي حالياً) . في الأول من ابريل 1928م تأسس جيش محمية عدن (الليوي)  وكانت مهمته تامين مطارات المستعمرة وتقديم الدعم لقوات الشرطة  وقت الضرورة ،  وقد تطورت هذه النواة العسكرية النظامية إلى أن أصبحت جيشاً نظامياً يضم خمس كتائب مدربة تدريباً عالياً وكانت تعرف بجيش الاتحاد النظامي الذي تأسس في نوفمبر 1961م ، يونيو 1967م تم دمج الحرس الاتحادي مع جيش الاتحاد النظامي وجيش البادية الحضرمي تحت مسمى (جيش الجنوب العربي ) وكان أول قائد عربي للجيش العقيد ناصر بريك العولقي . بعد الاستقلال سُمي بجيش ج ي ج ش قيادته العقيد محمد احمد بن موقع لفترة قصيرة وحسين عثمان عشال وعلي عبد الله ميسري وعلي عنتر .  ارتبط الاحتفال بعيد جيش ج ي د ش  بتاريخ تأسيس الكلية العسكرية  1 سبتمبر 1971م لما لها من أهمية في رفد الجيش بضباط على مستوى ممتاز من التدريب والإعداد القتالي ، فيما واكب ذلك تأهيل خارجي في القيادة والأركان والطيران والبحرية ، وقد لعبت العلاقات الجيدة مع الاتحاد السوفييتي دوراً كبيراً في إمكانيات تسليح الجيش بمختلف الأسلحة الضاربة حيث وصلت الى ذروتها في ثمانينات القرن الماضي عندما وقعت اليمن الديمقراطية معاهدة الصداقة والتعاون عام 1981م مع موسكو .  
لعلنا عندما نعيد إحياء هذه الذكرى نشعر بالأسى والحزن لما أصاب صرحنا والذي كنا نفخر به ونزهوا بالحديث عن تاريخه ومآثره المشرّفة ، ولكن هذا الشعور والتباكي لن يفيد والأحلام لن تفيد واستغلال هذه الذكرى أو غيرها من المحطات التاريخية لأغراض سياسية براجماتية سيساهم كثيراً إلى استدعاء حالات الانقسام السابقة والتي ستكون أكثر حدة هذه المرة ربما تفتت شعب الجنوب وأراضيه وثرواته ، حينها لن نشعر بالأسى والحزن والإحباط فقط بل بالنهاية المحتومة . الأمل كل الأمل معلق على الشباب  في إعادة بناء صروح الوطن وترميم ما تبقى منها وعلينا نحن الآباء توجيههم ومساعدتهم على التحصيل العلمي وإبعادهم عن حلبات الصراع والموت ، فهم رأسمالنا وثروتنا البشرية ومتى ما صلحت صلح معها كل شئ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 الرابط : http://alomanaa.net/uploads/files/1409905136.pdf


الأحد، 31 أغسطس 2014

    الامناء الاحد 31 أغسطس 2014م  

         بمناسبة الذكرى الـ 43 لعيد الجيش الجنوبي            





الجندية شرف ورجولة بكل ما في الكلمة من معنى ، اذا كنا في الجامعة قد تعلمنا العلم والتخصص كلٍ في مجال ففي التجنيد تعلمنا النظام الممنهج والضبط والربط والمسؤولية تجاه الوطن تعلمنا اليقظة والحرص الشديد الالتزام الصارم بالنظام والقوانين تعلمنا كيف نعمل ونتدرب وننفذ مهامنا بكل دقه واقتدار وفق قوانين ونظم القوات المسلحة وخاصة في اللواء التدريبي في العند حيث أديت الخدمة العسكرية في قسم الثقافة والإعلام كانت صارمة ولها هيبتها والكل كان يعمل وفق الأوامر العسكرية.. فكنا أنا وزملائي في القسم نعد نشرة أخبار قصيرة (محلية وعالمية) نقرأها في الطابور الصباحي الساعة السادسة صباحاً كل يوم بعد ما نكون قد فتحنا الإذاعة الداخلية الساعة 5 صباحاً . بالإضافة إلى هذا كنت اشرف على عمل المكتبة الثقافية وأيضا كنت أقوم بتغطية كل النشاطات العسكرية وتصويرها (فيديوVHS) والذهاب بها إلى التلفزيون لبثها في نفس اليوم ضمن النشرة المحلية ، كان عمل رائع وممتع ومفيد نؤديه دون كلل .. ومعه كان لي الكثير من الذكريات والمواقف التي عشتها في تلك الفترة ! منها .. عندما خرجت أول مرة من معسكر العند متوجهاً إلى عدن وأنا بكامل هندامي العسكري وفي وقت دوام صباحي ، كان بحوزتي شريط فيديو وأخبار قاصداً بها تلفزيون عدن ، وبينما انا امشي في الشارع الرئيسي بمدينة الحوطة بمحافظة لحج استوقفني ضابط ومعه جندي من الشرطة العسكرية وبكل أدب سألني عن وحدتي العسكرية فقلت له اللواء التدريبي ! وطلب مني تصريح الخروج ، فقلت له لايوجد معي ولا اعرف ، فانا خرجت بأمر قائد اللواء في مهمة إلى التلفزيون وأخرجت من الظرف الذي احمله شريط الفيديو ومن حسن حظي كانت بطاقة التلفزيون معي وكذا الكرت العسكري الذي يحمل صورتي ورقمي . اقتنع الضابط المهذب بكلامي لكنه قال لي مرة أخرى عندما تكون لديك مهمة لازم يكون عندك تصريح مرور خاصة وأنت بكامل الهندام (التعصيرة) او انك تخرج بدون اللباس العسكري . وهذا الحال كما عرفت حينها كان ينطبق على كل الأفراد والضباط والسيارات العسكرية التابعة للجيش والشرطة .. لا مرور إلا بتصريح . عندما أتذكر هذا الموقف أتحسر ويتقطع قلبي الماً على قواتنا المسلحة والشرطة وأحوالها اليوم .

الجمعة، 22 أغسطس 2014

صحيفة الامناء الخميس 21 أعسطس 2014م

   لحـــــــج .. وجدان إنسان وثقافة شـــعب !   

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحمـد محمــود الســلّامي



استفزني منشور احد الأصدقاء على صفحته في الفيس بوك وصف في مضمونه سلاطين لحج بأنهم نسخة من الإمام احمد إمام اليمن ، وقال قبل أن يستدرك ! انه يتذكر عندما كان في الابتدائية وكان يذهب إلى قرية الوهط في زيارة لأقاربه وفي المساء كان يسمع صوت (ماطور) قوي وعرف فيما بعد أن ذلك صوت مولد الكهرباء الخاص بالسلطان .. وقد تسأل هو : كيف السلطان عنده كهرباء و الوهط في ظلام ؟.. ولهذا هو اعتبر ذلك ظلماً كظلم الإمام احمد .. لكنه ظلمَ سلطان لحج في نفس الوقت !! أنا لا الومه فهو إنسان طيب القلب ومتعلم وخبير في تخصصه العلمي ، وقد تنقصه بعض المعلومات التاريخية كما أظن وهذا ليس عيباً .. في قرى لحج المجاورة لمدينة الحوطة  في كل مساء يُسمع  هدير  المضخات  التي تستخرج المياه الجوفية لري المزارع في فصل الصيف حيث تتم عملية الري في المساء تجنباً لأشعة الشمس التي تساعد على تبخر الماء وجفاف مياه الري بسرعة  . أما كهرباء لحج فكانت مرتبطة  بشبكة مستعمرة عدن وتغذي فقط مدينة الحوطة وجزء من قرية صبر وبئر ناصر حيث تنتشر آبار المياه والخزانات الكبيرة التي كانت تموّن مستعمرة عدن ودار سعد بالمياه العذبة الصالحة للشرب ، سلاطين لحج لم يكونوا نسخة من الإمام ابداً ولا شبيهاً له .. هم و أبناؤهم أُناس مدنيين بسطاء منفتحين على العالم ربطتهم برعيتهم مودة ورحمة ، أقاموا العدل بواسطة قضاء مستقل وعملوا على تنمية لحج وتطويرها من كافة الجوانب : أقاموا المستشفيات و انشأوا السدود الأنظمة الزراعية الجيدة التي تحفظ حق المزارع في الري وتقدم له الإرشادات الصحيحة في زراعة القطن والخضار والفواكه تحت إشراف لجنة من ذوي الخبرة و المسؤولين تسمى " لجنة الإنعاش الزراعي" .. وفي سلطنة لحج حظي التعليم باهتمام ورعاية خاصة ، و الكثير من أبناء لحج إلى الان لم يسمعوا بــ ((" هيئة التعليم الأهلية اللحجية " هذه الهيئة أنشأتها السلطنة العبدلية بالتعاون مع الأهالي تتولى فتح المدارس الجديدة و إرسال اكبر عدد من أبناء السلطنة للدراسة الجامعية والتخصصية في الخارج . ميزانيتها تأتي من الرسوم حيث يأخذ على كل سيارة أجرة أو نقل تخرج من الحوطة مبلغ 20سنت ( باولة ) فتتجمع من هذه  المبالغ لتصل إلى 650 دينار شهري تسلم للهيئة .كما انه في مطلع كل شهر يدفع كل موظف 1% من راتبه للهيئة كانت محصلتها 100 دينار شهريا .. وكذلك أضيفت إلى كل تذكرة سينما 10 سنت (عانتين) . فيما تأخذ الهيئة من المزارعين  1 سنت على كل قنطار(100 رطل) من القطن . وكانت حكومة السلطنة ترفد هيئة التعليم سنويا بــ  5 ألف دينار سنويا ))..  كما شهدت لحج نهضة ثقافية وفنية و رياضية كبيرة ، جعلت منها بلداً للفن والثقافة والرقي ويشهد على ذلك التراث اللحجي والموروث الثقافي والاجتماعي المتنوع الذي تقع على عاتق كل لحجي مسؤولية الحفاظ عليه من الاندثار أو التزييف او السطو . كانت سلطنة لحج سلطنة دستورية بموجب الدستور اللحجي وهو أول دستور في منطقة الجزيرة والخليج الذي نص ان الناس أمام القانون سواء ، ووفق الدستور أنشئ المجلس التشريعي ومجلس المديرين (مجلس الوزراء ) والمجالس البلدية التي مارست صلاحياتها وفق تخصصاتها ، في الوقت الذي كانت المملكة المتوكلية اليمنية تئن تحت وطأة الحكم الكهنوتي المتخلف والمنغلق على نفسه فكانت اليمن تعيش في تخلف وقهر وظلم ليس له مثيل .. لهذا أقول ليس هناك وجه للمقارنة على الإطلاق .
....................
رابط المقال :
http://www.alomanaa.net/uploads/files/1408610970.pdf
..................
* الارقام والصور مأخوذة من استطلاع مجلة العربي عام 1965م
" سلطنة لحج ملكة واحات الجنوب العربي "


الجمعة، 15 أغسطس 2014

     صحيفة الامناء الخميس 17 أغسطس 2014م   

   *  الإنسان ذو البعد الواحد   *   

    أحمد محمود السلّامي    



هذا عنوان كتاب لـ هربرت ماركوز (1898 - 1979) الفيلسوف والمفكر الألماني الأمريكي الذي اشتهر بتنظيره لحركات اليسار الجديد ونقده الحاد للأنظمة  القائمة . ويُعد هذا الكتاب (الإنسان ذو البعد الواحد) الذي صُدر عام 1964م أهم أعمال ماركوز على الإطلاق فقد وجه فيه نقداً مشتركاً للمجتمعات الرأسمالية والشيوعية بحيث أن المجتمعات الصناعية الحديثة خلقت احتياجات وهمية للإنسان ومن خلال أجهزة الأعلام والإعلانات التي  توجه جميع الشعوب إلى الثقافة  أللاستهلاكية . هذه الثقافة التي تعمقت أكثر فأكثر في زمننا المعاصر . عندما حصلت على هذا الكتاب لأول مرة لم افهم منه شئ أو عن ماذا يتحدث .. كان ذلك في عام 1971م عندما كنت ادرس في المرحلة الإعدادية بالشيخ عثمان ، ذهبت  ذات مرة إلى خور مكسر لزيارة أقربائي بيت السفير فضل احمد ناصر السلّامي ( استشهد هو وأخوه عبد القادر في حادث طائرة الدبلوماسيين )  لأول مرة بعد أن انتقلوا حديثاً من الشيخ عثمان إلى سكنهم الجديد في خور مكسر .. لفت انتباهي وجود مكتبة صغيرة في غرفة الاستقبال بالطابق الثاني فيها مجموعة كبيرة من الكتب مختلفة الأحجام والعناوين التي تفحصتها واحداً واحدا حينها لفت انتباهي هذا الكتاب بعنوانه المثير والغير مألوف بالنسبة لي فاستأذنت أخت السفير الصغرى التي كانت تدرس ضمن الدفعة الأولى لكلية التربية العليا بعدن بإمكانية استعارة الكتاب فوافقت على اخذ الكتاب لقراءته ، وقبل خروجي وضعت الكتاب داخل كيس ورق كاكي خاص بالروتي  حتى  لا يلمحه معي احد البصاصين عندما اركب الباص للعودة إلى الشيخ عثمان .. كنت فرحاً جداً بالكتاب كونه جديداً وغير  مهترئ وشكله يختلف عن الكتب التي كنت اشتريها من (صالح) بائع الكتب القديمة في سوق الشيخ عثمان (الماركِت) .. حاولت اقرأ في الكتاب مرة ومرتين وثلاث فلم افهم شئ منه فتركته على الرف مع كتبي ! في مرحلة الدراسة الثانوية قدرت افهم نسبياً بعض الأفكار مثل ما هو المجتمع الصناعي المتقدم والطبقات والصراع الطبقي وسياسة القوى الاجتماعية المسيطرة .. لكن بعد التخرج من الجامعة ودراستي للفلسفة قدرت  أقرأ الكتاب بتمعن وفهم كبيرين .. لازلت محتفظ بالكتاب إلى الآن وانوي تجليده وتسليمه لابن الشهيد الأكبر القاضي السابق فارس والمغترب حالياً في السويد خاصة بعد أن بنى بيتاً لأسرته  وينوي الاستقرار في عدن بعد تقاعده من العمل .. الكتاب لا يشكل الآن أهمية أو قيمة فكرية كبيرة بالنسبة للبعض تستدعي كل هذا المشوار والاهتمام ، هذا منطق صحيح !! لكنني انظر للموضوع من بعد آخر أولا لأنني أحب وأقدر ذلك الرجل النادر ( فضل احمد ناصر السلّامي) وكنت معجب بشخصيته وطريقة كلامه وتعامله مع الناس بتواضع جم وثانياً أنا فخور أنني اشتركت معه في قراءة كتاب من مكتبته مع فارق الزمن وهو نموذج من الكتب التي كان سعادة السفير يقرأها وهي كتب فكرية وسياسية وتنويرية مهمة جدا .  يظل سؤال لدى القارئ هنا حول الإنسان ذو البعد الواحد الذي يقصده هربرت ماركوز ! هو عرفه في نفس الكتاب بقوله " الإنسان ذو البعد الواحد هو ذاك الذي استغنى عن الحرية بوهم الحرية، انه ذلك الذي يتوهم انه حر لأنه يختار بين تشكيلة كبيرة من البضائع والخدمات التي يكفلها المجتمع لتلبية حاجاته، انه كالعبد الذي يوهب الحرية في اختيار سيده (فهل هو حر؟)" وهذا هو حال الإنسان الان .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرابط : http://www.alomanaa.net/uploads/files/1408048676.pdf